"حين يصبح القلم هدفاً".. تصاعد الاعتداءات على الصحفيات في تونس
"حين يصبح القلم هدفاً".. تصاعد الاعتداءات على الصحفيات في تونس
تخوض الصحفيات في تونس معركة يومية للحفاظ على حقهن في العمل بحرية ودون خوف، في ظل ارتفاع لافت في الاعتداءات القائمة على النوع الاجتماعي.
ورغم المكاسب القانونية التي حققتها المرأة التونسية خلال العقود الماضية، يكشف التقرير السنوي للنقابة الوطنية للصحفيين عن واقع مقلق، تتعرض فيه الصحفيات للعنف، التهديد، والتتبع القضائي، ما يدفع كثيرات منهن إلى التراجع عن الشكوى والتزام الصمت، وفي هذا الصمت تحديداً تتفاقم الأزمة.
عرضت خولة شبح، المسؤولة بوحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بالنقابة، المؤشرات الأساسية للتقرير السنوي الصادر أمس الجمعة، موضحةً أن الفترة الممتدة بين 15 أكتوبر 2024 و15 أكتوبر 2025 شهدت 164 حالة اعتداء، منها 70 ضحية من الصحفيات.
وتنوّعت الاعتداءات بين المنع من العمل من جهات أمنية أو قضائية أو إدارات إعلامية، والمضايقات (26 حالة)، والتتبع العدلي خارج المرسوم 115 (115 حالة)، والإحالة عبر نصوص قانونية مشددة مثل المرسوم 54 (10 حالات) والمجلة الجزائية (8 حالات) وقانون مكافحة الإرهاب (حالتان).
وتؤكد وحدة الرصد أن اللجوء إلى نصوص خارج الإطار التشريعي الخاص بالصحافة يشكّل انتهاكاً واضحاً لحرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومة.
عنف رقمي متصاعد
يُبرز التقرير نوعاً جديداً من الانتهاكات: العنف الميسّر بالتكنولوجيا، حيث تعرضت الصحفيات لحملات تنمّر، تشويه، تهديد، وتحريض عبر الإنترنت.
وأوضحت شبح، أن هذا النوع من العنف أصبح الأخطر، لأنه يتكرر دون قيود زمنية، ويصعب تتبعه قضائياً، ويهدف لردع الصحفيات عن العمل الميداني.
وبيّنت أن 46 حالة مسجلة في عام واحد تُعد مؤشراً على تحوّل مواقع التواصل الاجتماعي إلى فضاء مفتوح للعنف القائم على النوع الاجتماعي، ما يهدد حضور المرأة في المجال الإعلامي.
تزايد الاعتداءات وتنوعها
من جانبها، أكدت مروى الكافي، عضوة وحدة الرصد، أن التقرير سجّل 13 اعتداءً على أساس النوع الاجتماعي، وهو رقم أكبر من العام السابق.
وتتوزع هذه الاعتداءات بين العنف داخل المؤسسات الإعلامية والعنف في الميدان خلال التغطيات والعنف الرقمي عبر منصات التواصل.
وأضافت الكافي، أن الكثير من الصحفيات يبدأن بالفعل في تقديم شكاوى، لكنهن يتراجعن بعد مدة بسبب طول وتعقيد الإجراءات والتكاليف المالية للمحاماة والتنقل والخشية من ردود فعل المجتمع والمؤسسات.
وتشير إلى أن الصمت ليس مرادفاً للسلام، بل هو نتيجة مباشرة للخوف من التتبع العدلي والعقوبات التي تفرضها نصوص قانونية مثل المرسوم 54، والذي اعتبرته كثيرات سيفاً مسلطاً على العمل الصحفي.
التبليغ وملاحقة المعتدين
قالت يسرى بلالي، عضو لجنة الحقوق والحريات، إن جزءاً كبيراً من الاعتداءات يتم لأن الصحفية امرأة قبل أن تكون صحفية.
وأكدت أن الخوف من السجن، المناخ السياسي الضاغط، وسلطة المرسوم 54، كلها عوامل تدفع الصحفيات إلى الامتناع عن التبليغ.
وشددت بلالي على أن كسر جدار الصمت هو الشرط الأساسي لوقف موجة الاعتداءات، مشيرة إلى أن النقابة تعمل حالياً على، تسهيل إجراءات التبليغ وتوفير الدعم النفسي والقانوني وتعزيز وجود آليات حماية داخل المؤسسات الإعلامية.
وأضافت: «لا يمكن أن تتوقف الاعتداءات طالما بقيت الصحفيات يخشين الكلام. الصوت وحده لا يحمي، لكن الصمت يقتل».
حماية الصحفيات ليست رفاهية.
يكشف التقرير أن الاعتداءات على الصحفيات ليست حوادث معزولة، بل جزء من مناخ عام يهدد حرية الصحافة في تونس.
ومع تزايد العنف الرقمي، وتوسّع التتبع القضائي، واستمرار الضغوط داخل المؤسسات الإعلامية، تبدو الحاجة ملحّة لآليات حماية فعالة تضمن للصحفيات بيئة آمنة تُتيح لهن ممارسة عملهن دون خوف أو تهديد.
ويشير التقرير إلى أن حماية الصحفيات اليوم ليست قضية خاصة، بل قضية مجتمع بأكمله يؤمن بأن الإعلام الحر هو خط الدفاع الأول عن الديمقراطية.











